المراجعات 4 أشهر مضت

الجلسة النقاشية لكتاب المسألة الثقافية

واقع النخب:
حاول المتناقشون تعريف النخب وإظهار تمايزها عن المتخصص أو المتعلم الأكاديمي من خلال تكريس علمها لخدمة المجتمع والمساهمة في صياغة وخلق حراك ثقافي، ثم التساؤل عن واقع النخب في الجزائر وهل تمكنت من أداء أدوارها التاريخية خاصة بعد الاستقلال، في ضوء وجود ازدواجية لم تنحصر فقط في الجانب اللغوي بين كتلة معربة وأخرى مفرنسة، بل تعدته إلى تشكيل ساحات صراع في ميادين متعددة تعليمية وإدارية واقتصادية، تعود جذور تشكلها إلى الجهود الاستعمارية الفرنسية في خلق أبارتايد لغوي، انتقل إلى الشعب الجزائري الذي تبنى من حيث يدري أو لا يدري نفس نظام الابارتايد اللغوي حتى داخل الثورة نفسها، ولم يحمل الاستقلال معه جديدا إذ عمق النظام بقراراته هذه الازدواجية من خلال سن قوانين وإرضاء المعربين بقرارات تدعم التعريب لكنها لاتجد طريقها للتطبيق إذ تلقى الكثير من المعيقات مع تمركز الفرنكفونيين في مناصب حساسة وقادرة على صناعة وتشكيل القرار. المداخلة طرحت العديد من الأسئلة المهمة، عن تعثر مسار التعريب بعد الاستقلال، أسباب عدم حسم ملف الهوية بعد الاستقلال، وظاهرة هجرة النخب وتداعياتها على الشأن الجزائري
🔻عقب الأستاذ سعيدوني بعد هذه المداخلة من خلال محاولته لرصد مختلف التغيرات الاجتماعية وكيف أثرت على التشكل الثقافي للمجتمع الجزائري، فظاهرة الهجرة الكبيرة مثلت حسبه مخففا للتناقضات الداخلية التي ورثتها الجزائر بعد الاستعمار وساعدت في تحقيق انسجام داخلي نسبي في مرحلتين: الأولى من خلال ذهاب الأقدام السوداء، والثانية بعد هجرة النخب الفرنكفونية. والظاهرة الثانية هي انزياح طبقة كبيرة من سكان الأرياف إلى المدن وما أحدثته من تغير ثقافي فتح الطريق أمام استرجاع الجزائر لهويتها العربية.
يرى الأستاذ سعيدوني أن اللغة عند كل أمة هي مظهر من مظاهر السيادة الأساسية، بيد أن الإدارة الجزائرية لم تأخذ استرجاع الهوية اللغوية كقضية أساسية، بل تم تسريع تكوين الإطارات بالفرنسية، والنتيجة: نخب متعصبة لامتيازاتها الاقتصادية من خلال اصطفافها اللغوي، مقابل عامة الشعب المتمسك بهويته ولغته.
🔻عدنا بعدها للتساؤل حول دور النخب الجزائرية وإلى أي مدى نجحت في تحقيق دورها المنوط بها، فقد ورثت عن الفترة الاستعمارية نمطا من التفاعل مع الشعب يقتضي المجاملة وتعزيز الشخصية الجزائرية كنوع من الممانعة الثقافية ضد المستعمر، لكن هذه المجاملة التي كانت محمودة في فترة تاريخية لها أسبابها، حادت عن دورها وصارت حائلا دون تحقيق مايجب أن يكون عليه الخطاب النخبوي، كما أن هجرة النخبة الفرنكفونية لا تعني نهاية خطابها، فقد يستمر عن طريق أجيال متعاقبة تتوارث العقد النفسية والاستشكالات المعرفية، وفي الأخير تساءل عن آفاق المستقبل الممكنة بين المحلية والأممية الإسلامية.
🔻الفرنكفونية:
دار النقاش حول الفرنكوفونية كأداة تموقع أيديولوجي وهيمنة ثقافية لمحاصرة عملية التعريب من خلال طرح إشكالية؛ هل الفرنسية غنيمة حرب أم حصان طروادة؟ وما يرتبط بهذه الإشكالية من مآلات التعريب وواقع الازدواجية التي تعيشها الجزائر في ظل غياب مشروع ثقافي وطني، وكذا حول مكانة عملية استعادة الوعي بالذات واكتساب المناعة الحضارية في معادلة بناء الدولة وتشكل المجتمع الجديد، كما تحدثنا عن جدلية عملية التعريب في التعليم والإدارة والحياة العامة، التي تقوم على العلاقة بين العربية كلغة وحدة وسيادة وأصالة، والفرنسية كإرث استعماري وأداة تحكم وجب وضعها في مكانها الطبيعي وتحديد مجالها كلغة أجنبية رافدة للعربية التي يمكن أن تـستفيد منها لتحقيق التطور والرقي.
🔻وفي ختام مداخلاتنا جرى ذكر الفترة الزمنية التي أُلِّف فيها الكتاب إذ جاء في لحظة مفارقة فاصلة تستحق التثمين ،رأينا فيها خطوة تشجع لاستعادة شرعية التفكير في اللحظات السياسية الحاسمة التي يتم فيها عادة تهميش الفكرة تحت حجة أنه زمن العمل والتنفيذ لا الكتابة والتفكير، ولعل أهمية هذا المجلس تكمن هنا ،أي في خدمة فكرة التراكم بين أصحاب التوجهات الإصلاحية على اختلاف أجيالهم، ومد لجسور التواصل بينهم.
🔻وفي هذا السياق عقب الدكتور سعيدوني بأن البناء الثقافي هو أجيال تتوارث التجربة وترتقي بها، ومايقيم هذا البناء هو ثقافة عالِمة تكتسب المعرفة، تراكمها ثم تبدع في إنتاجها، ولئن عجزت البنى المؤسساتية القائمة على القيام بهذا الدور فإنه يعلق الأمل على مخابر البحث الفردية وماتتيحه من تواصل علمي واحتكاك وتفاعل بين النخب يغيب في مساحات أخرى.

mohamedbml28@gmail.com

مقالات أخرى

لا توجد تعليقات بعد

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *