منذ 6 أشهر مضت 1 دقيقة للقراءة

عزوف الشباب الجزائري عن الشأن الفكري في ضوء إشكالية النخبة في الجزائر.

عزوف الشباب الجزائري عن الشأن الفكري في ضوء إشكالية النخبة في الجزائر.
🔹استفتح الدكتور “جمال الدين بومحمد” مداخلته بالتذكير بالأهمية والمسؤولية الثقافية للنخب ودورها كحاملة للفكر الذي يغذي الحضارة ويُعتَبر مُنتِجا لها، وتتجلى هذه الأهمية بوضوح من خلال تتبع مراكز الفكر ونشاطها في الدول الغربية مقابل انعدامها عندنا.. وهذا ما يطرح السؤال حول كيفية تشكل نخب فاعلة مؤثرة ومهتمة بواقع الشباب ومدى ارتباطهم بالشأن الفكري باعتبار أن مفهوم النخب ينطوي على كونها قادرة على إحداث التغيير في تصورات الأفراد ومعاييرهم وسلوكاتهم من خلال الإيديولوجيا. وإذ أن الأفكار لما تحتكر تموت، فإن نجاح المنظومات العقيدية والإيديولوجيات يكمن في القدرة على بسطها وتمليك رؤيتها لأكبر قدر من الناس، وهكذا فإنّ النخب مصدر للإيديولوجيات ونتاج لها في نفس الوقت.
🔹وانطلق الدكتور جمال الدين في دراسته للنخب في الجزائر من لحظة الصدام مع الغرب التي خلقت نوعا من الاضطراب في ردود الأفعال ترجع إلى رؤية الغرب كمُنتِج للتقدم، ومُستعمِرٍ طاغٍ في الوقت نفسه، هذا الاستعمار الذي لم يتوان في محاولات محو الوجود التاريخي للشعب الجزائري من خلال سياساته العسكرية، الاستيطانية والفكرية نذكر منها مثالا: فصل الشعب الجزائري عن تراثه ولغته، احتوائه من خلال مدارس تعليم فرنسية عملت على خلق طبقت وسيطة بين الأهالي والسلطات الفرنسية، تحوّلت وتطوّرت فيم بعد إلى طبقة متعلمة استقالت من دورها في قيادة التغيير إلى جماعة منفكة عن الناس تصب في صالح الثقافة الفرنسية ومصالحها الخاصة، محدثة قطيعة مع ذخيرة الأمة الثقافية والمعنوية في فهم الواقع وصناعة المستقبل. قابل هذه العملية التعليمية عملية تكوين موازية قامت بها مؤسسات أهلية لإنتاج متعلم باللغة العربية، وبين هذا وذاك وفي خضم الاستقطاب الحاصل والذي استمر بعد الاستقلال، كانت الأمة في أيدي خبراء فرنسيين يخططون لها نيابة عن نخبتنا الغائبة عن المشهد وعن مسؤولية إدارة أمور هذه الأمة وترتيب أوراقها وحفظ أمنها الفكري.
🔹إنّ هذا الجو العام المضطرب كانت له تبعاته ونتائجه: كظهور نزعة فرط التسيس التي ترى في السلطة الحل الوحيد القادر على تغيير حركة المجتمع واحتقار الخطوات النهضوية الصغيرة (كحلقات المطالعة)، وما نتج عنها من محاكاة المثقف للفنان وتحلله من المسؤولية بتصورّه أنها تقع على السياسي فقط. كما يُلاحظ أنّ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي رافقه صعود حمى صناعة المحتوى واستمداد الشرعية من الجمهور وإهمال الطرح العلمي والفكري الجاد بل المختزل لصعود الترند وتحصيل الشهرة.

🔹إذن فإن إشكالية النخب ليست من صنع الاستعمار فحسب، بل هي نتاج العديد من العوامل المتداخلة.. ولازلنا نرى تبعاتها ونتائجها السلبية المباشرة وغير المباشرة في كل المساحات والميادين نذكر منها ضعف الانتماء الوطني، هجرة الأدمغة، التماهي مع مشاريع المنظمات غير الحكومية دون وعي بخلفياتها كوسائل حرب ناعمة، شيوع خطابات من قبيل تسويق الذات والتنمية البشرية والعلاج بالطاقة، والاغتراب و التخفف من المسؤولية الحضارية.

mohamedbml28@gmail.com

مقالات أخرى

لا توجد تعليقات بعد

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *